16-09-2009, 12:21 AM | #1 | |
عيساوي جدع
|
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هاهي أيام رمضان قد انقضت ، ولياليه قد تولت . انقضى رمضان و ذهب ليعود في عام قادم ، انقضى رمضان شهر الصيام و القيام ، شهر المغفرة و الرحمة . انقضى رمضان و كأنه ما كان . أيا رمضان ماذا أودع فيك من صالحات ، و ماذا كتبت فيك من رحمات . كم من صحائف بيضت ، وكم من رقاب عتقت ، وكم حسنات كتبت . انقضى رمضان و في قلوب الصالحين لوعة ، وفي نفوس الأبرار حرقة . و كيف لا يكون ذلك ؛ و هاهي أبواب الجنان تغلق ، و أبواب النار تفتح ، و مردة الجن تطلق بعد رمضان . انقضى رمضان : فا ليت شعري من المقبول فنهنيه و من المطرود فنعزيه . انقضى رمضان فماذا بعد رمضان ؟ لقد كان سلف هذه الأمة يعيشون بين الخوف و الرجاء . كانوا يجتهدون في العمل فإذا ما انقضى وقع الهم على أحدهم : أقبـِلَ الله منه ذلك أم ردّه عليه . هذه حال سلف هذه الأمة فما هو حالنا ؟ و الله إن حالنا لعجيب غريب . فو الله لا صلاتنا كصلاتهم، و لا صومنا كصومهم ، ولا صدقتنا كصدقتهم ، و لا ذكرنا كذكرهم ؟ لقد كانوا يجتهدون في العمل غاية الاجتهاد، و يتقنونه و يحسنونه ، ثم إذا انقضى خاف أحدهم أن يرد الله عليه عمله . و أحدنا يعمل العمل القليل و لا يتقنه ولا يحسنه ، ثم ينصرف وحاله كأنه قد ضمن القبول و الجنة . فيا أخي عليك أن تعيش بين الخوف و الرجاء ، إذا تذكرت تقصيرك في صيامك وقيامهم ؛ خفت أن يردّه الله عليك ذلك ، و إذا نظرت إلى سعة رحمة الله ، وأن الله يقبل القليل ويعطي عليه الكثير ، رجوت أن يتقبلك الله في المقبولين . إن لكل شيء علامة ، وقد ذكر العلماء أن من علامة قبول الحسنة أن يتبعها العبد بحسنة أخرى فما هو حالك بعد رمضان ؟ هل تخرجت من مدرسة التقوى في رمضان فأصبحت من المتقين ؟ هل تخرجت من رمضان و عندك عزم الاستمرار على التوبة و الاستقامة ؟ هل أنت أحسن حالا ً بعد رمضان منك قبل رمضان ؟ أن كنت كذلك فاحمد الله ، و إن كنت غير ذلك فابكِ على نفسك يا مسكين فربما أن أعمالك لم تقبل منك ، وربما أنك من المحرومين و أنت لا تشعر. أقسام الناس بعد رمضان : لقد انقسم الناس بعد رمضان إلى أقسام 1- الصنف الأول : قوم كانوا على خير وطاعة ، فلما جاء رمضان شمروا عن سواعدهم ، وضاعفوا من جهدهم و جعلوا رمضان غنيمة ربـّانية ، و منحة إلهيـّة ، استكثروا من الخيرات ، و تعرضوا للرحمات ، وتداركوا ما فات ، فلعله أن تكون قد أصابتهم نفحة من النفحات . فما انقضى رمضان إلا و قد حصّلوا زادا ً عظيما ً، علت رتبتهم عند الله ، و زادت درجتهم في الجنات، و ابتعدوا عن النيران . علموا أن لا مستراح لهم إلا تحت شجرة طوبى، فاتعبوا هذه النفوس في الطاعات . علموا أن الصالحات ليست حكرا ً على رمضان ، فلا تراهم إلا صوّما ً قوّما ً ، حافظوا على صيام الستة في شوال ، حافظوا على صيام الاثنين و الخميس و الأيام البيض. دمعتهم على خدودهم في جوف الليل، و عند الأسحار استغفار أشد من استغفار أهل الأوزار . .يعيشون بين الخوف و الرجاء، حالهم كما قال الله ( و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم و جلة أنهم إلى ربهم راجعون ). في السنن من حديث عائشة ( قالت : قرأ رسول الله هذه الآية ، فقلت يا رسول الله : أهم الذين يسرقون و يزنون و يشربون الخمر و يخافون من الله . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يا ابنة الصديق ، ولكنهم أقوام يصلون و يصومون و يتصدقون و يخافون أن يردّ الله عليهم ذلك ) فهؤلاء هم المقبولون ،هؤلاء هم السابقون ، هؤلاء هم الذين عتقت رقابهم ، و بـُيـّضت صحائفهم . فطوبى ثم طوبى لهم. 2- الصنف الثاني : قوم كانوا قبل رمضان في غفلة و سهو و لعب ، فلما أقبل رمضان أقبلوا على الطاعة و العبادة ، صاموا و قاموا ، قرأوا القرآن و تصدّقوا ودمعت عيونهم و خشعت قلوبهم ، و لكن ما أن ولّى رمضان حتى عادوا إلى ما كانوا عليه ،عادوا إلى غفلتهم ، عادوا إلى ذنوبهم . فهؤلاء نقول لهم : من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد فات ، و من كان يعبد الله فان الله موجود حي لا يموت . إن الذي أمرك بالعبادة في رمضان هو الذي أمرك بها في غير رمضان . يا عبد الله يا من عدت إلى ذنبوك و معاصيك و غفلتك : تمهل قليلا ً ، تفكر قليلا ً: كيف تعود إلى السيئات ، و ربما قد طهـّرك الله منها . كيف تعود إلى المعاصي و ربما محاها الله من صحيفتك يا عبد الله أيعتقك الله من النار فتعود إليها ؟ أيـُبيـّض الله صحيفتك من الأوزار و أنت تسوّدها مرّة أخرى ؟ يا عبد الله : آه لو تدري أيـّة مصيبة وقعت فيها . آه لو تدري أي بلاء نزل بك ، لقد استبدلت بالقرب بعدا ً، و بالحب بغضا ً. يا عبد الله إياك أن تكون كالتي نقضت غزالها من بعد قوة انكاثا ً . لا تهدم ما بنيت ، لا تسوّد ما بيـّضت ، لا ترجع إلى الغفلة و المعصية فو الله إنك لا تضر إلا نفسك يا عبد الله إنك لا تدري متى تموت ، لا تدري متى تغادر الدنيا . فاحذر أن تأتيك المنيـّة و أنت قد عدت إلى الذنوب و المعاصي . و تذكر ( إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) فغيّر من حالك ، اترك ذنوبك ، أقبل على ربك حتى يـُقبـِل الله عليك . 3- الصنف الثالث : قوم دخل رمضان و خرج رمضان ، وحالهم كحالهم ، لم يتغيّر منهم شيء ، ولم يتبدّل من أمر ، بل ربما زادت آثامهم ، وعظمت ذنوبهم ، و اسودّت صحائفهم ، و زادت رقابهم إلى النار غلا . هؤلاء هم الخاسرون حقا ً . عاشوا عيشة البهائم ، لم يعرفوا لماذا خـُلقوا عوضا ً أن يعرفوا قدر رمضان و حرمة رمضان ، ولقد سمعت و الله أحدهم يتبجح و يجاهر بالفطر في نهار رمضان . فهؤلاء ليس أمامي حيلة معهم إلا أن ندعوهم إلى التوبة النصوح ، التوبة الصادقة ، و من تاب ، تاب الله عليه. وإليك يا أخي كلمات من كلمات سلف هذه الأمة ، فو الله إن كلامهم لقليل و لكنه يحيي القلوب . قال أبو الدرداء : ( لو أن أحدكم أراد سفرا ً، أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ؟ قالوا : بلى . قال: سفر يوم القيامة أبعد ، فخذوا ما يصلحكم ؛ حجوا لعظائم الأمور . صوموا يوما ً شديد حره لحر يوم النشور . صلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور . تصدّقوا بالسرّ ، ليوم قد عسر ) و قال الحسن البصري : ( إن الله جعل رمضان مضمار لخلقه ؛ يتسابقون فيه بطاعته فسبق قوم ففازوا ، وتخلـّف آخرون فخابوا . فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون و يخسر المبطلون ) اللهم اجعل ما نقول حجة لنا لا علينا |
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|