عرض مشاركة واحدة
قديم 02-01-2008, 08:02 PM   #14
دعاء الكروان
مدير قسم سابق

الصورة الرمزية دعاء الكروان
 
المعلومات الشخصية

التقييم
معدل تقييم المستوى: 22

دعاء الكروان عضو في طريقه للتقدم



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة العيساوي مشاهدة المشاركة
مشكورين شباب على الموضوع

رأيي بسيط جدا

يد تفاوض ويد تقاوم هذا ما كان في كل العصور وهذا ما يجب ان تكون عليه الحال فلا يجب استثناء اي حوار مع اي كان فالحوار كان وعلى عهد نبينا حين حاور قريش وكان بين اصحابه الكرام من رفض الفكرة
( فمثلا صلح الحديبية وهو عقد في فترة صدر الإسلام بين المسلمين بقيادة رسول الله محمد بن عبد الله وبين قريش التي لم تكن تدين بالإسلام آنذاك وكانت المدة المقررة للإتفاق عشرة سنوات، فاوض قريش عليها عثمان بن عفان).
وسيكون هناك دائما من يرفض الفكرة الان
ولكن السؤال الاصح والذي كان يجب ان يطرح

على ماذا نفاوض
بعد التحية والسلام

اخي العيساوي لقد اثرت امرا هاما لا بد من ايضاحه

وارجو من الجميع المعذره ان طال شرحي قليلا

صلح الحديبية وتجيير الحقائق


تمر الشعوب والأمم والدول وحتى الحضارات بدورات تاريخية , تجعل من الركون إلى حال معينة من الرفاه والازدهار والتقدم , أو نقائضها من التدهور والانحطاط والتقهقر الحضاري , أمراً غير منطقي أو مقبول , في ظل تبدل الأحوال , واختلاف الموازين والمقومات الحضارية لكل فترة زمنية بحد ذاتها , الأمر الذي أولته الشريعة الإسلامية اعتباراً خاصاً أثناء سيرورة الحكم على الوقائع والأحداث بما يجعلها منسجمة ومتوائمة معها دونما إفراط في التشدد والابتعاد عن معطيات الواقع، أو تفريط تجاه الانسياق وراء وهم الأمر الواقع ( المحتوم والنهائي ) كما يظن البعض في بعض الأحيان.
وعلى الرغم من الكم الهائل من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تؤسس للسلم كأصل للعلاقة مع الآخر كقوله تعالى "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها" , فإن الشريعة الإسلامية لم نهمل حالة نشوب الحرب بين بني البشر , ونظمت أحكامها بما يكفل التخفيف من ويلاتها ومآسيها , سواء كان المسلمون في طور القوة والغلبة على عدوهم ، أم اضطرتهم حال الضعف المادي والتراجع الحضاري لتبوء دور الطرف الأضعف أثناء المنازعات والحروب . ولعل القارئ لمدونات الفقه الإسلامي التي تفصل أحكام المفاوضات والمعاهدات في الإسلام , يخرج بنتيجة مفادها , أن اللجوء إلى عقد مثل هذه الاتفاقيات والمعاهدات مع العدو , منوط بتحقيق مصلحة حقيقية عليا لجماعة المسلمين ,أو تجنب الوقوع في مفسدة عظيمة تلحق بالناس أضرارا جسيمة لا يمكن القبول بها، دون إغفال جانب المحافظة على الحقوق وعدم التفريط بها تحت أي ذريعة أو مبرر ملجئ لذلك .
بيد أن البعض من أبناء جلدتنا يحلو له في سياق التبرير والتسويغ لعقد ( اتفاقيات صلح دائم ) مع العدو الصهيوني , أن يتلمس في جوانب تراثنا حوادث تاريخية قد يظن أنها مشابهة أو مماثلة ( ليسوِّق ) لهذه الاتفاقات بوصفها أمراً شرعياً مندوباً إليه للتخلص من حالة الحرب القائمة , ومستشهداً في الوقت ذاته بتلك الأحداث التاريخية ليضفي مزيداً من ( الشرعية ) الموهومة على تصرفاته وأفعاله .
فعلى سبيل المثال : يجد ( المسوغون ) لهذه الاتفاقيات في صلح الحديبية الذي تم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم , ومشركي قريش في مكة قبل فتحها ,وما ظهر كأنه تقديم تنازلات ( صعبة ) للأعداء , دليلاً على مشروعية تصرفاتهم في عقد صلح مع العدو مقابل تنازلات كبيرة عن أرض إسلامية أو عن حقوق تاريخية للعرب والمسلمين , فهل كان صلح الحديبية بصيغته الشكلية ( تنازلاً ) شرَّع للمسلمين فيما بعد الاحتذاء به على شرعية تقديم بعض التنازلات في سبيل الوصول إلى ( سلام مزعوم ) ؟!
بداية تجب الإشارة إلى أن صلح الحديبية في معظم ظروفه وملابساته كان تنفيذا لوحي إلهي صاغ مقدماته وأسبابه وشروطه , وتمت الموافقة على إنفاذه دون أن يكون لأحد من البشر الحق في الاعتراض على بعض بنوده التي قد تبدو للوهلة الأولى ( مجحفة ) في حق المسلمين , الأمر الذي جسده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله لسيدنا عمر بن الخطاب عندما راجعه في بعض بنود الاتفاق رداً على اعتراضه ومن ورائه جمع من المسلمين غفير : ( إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري ) وفي رواية أخرى : (( أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني )) , إلى درجة أن قام رسول الله بإغلاق باب الاعتراض في تلك الحادثة , على خلاف عادته في استشارة أصحابه في مثل هذه الأمور كما حصل في غزوات ومواقف سابقة . أما معاهدات الصلح مع الصهاينة فإنها تبرم أساساً على تولي كل فريق أو بلد من المسلمين زمام الأمور بنفسه , وبمعزل عن مشورة بقية الأطراف , وبشكل ( ثنائي ) بين كل طرف عربي من جهة، والكيان الصهيوني بما تعنيه هذه الحالة من فرقة وتشرذم وضعف في الموقف التفاوضي , الذي لو تم وفق أسلوب التشاور والتلازم بين مسارات التفاوض لقلل ( مبدئياً ) من الآثار السلبية لما حدث بعد ذلك , ففي ظل غياب الوحي المؤيد للمسلمين , يضحي أمر الوحدة والاعتصام بالجماعة الكبرى للمسلمين الملاذ الوحيد لتفادي الخطأ والضلالة , فهذه الأمة مشهود لها بعدم اتفاق كلمتها على الضلال " لن تجتمع أمتي على ضلالة " .
ثم إن اللجوء إلى الصلح والجنوح إليه لم يكن الخيار الوحيد أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقد كانت البدائل أمامه متعددة ومتاحة , ولم يكن ملجَأً لعقد هذا الصلح تحت وطأة ضرورات داخلية أو خارجية فمنذ اليوم الأول لخروجه عليه الصلاة والسلام من المدينة أمر أصحابه بالتزام الحذر وبثَّ العيون على طول الطريق الواصلة إلى مكة , بل انه دعاهم لحمل السيوف معهم تحسباً لأي أمر طارئ , وما قيام الصحابة بمبايعة رسول الله تحت الشجرة ( بيعة الرضوان ) عند سماعهم بنبأ مقتل مبعوث رسول الله سيدنا عثمان بن عفان إلى قريش , إلا دليل على تعدد الخيارات المتاحة وحرية الاختيار منها, بيد أنه غير الصلاة والسلام لما حبست ناقته أقسم ألا تدعوه قريش إلى خطة يسألونه فيها صلة الرحم وحفظ حرمة البيت الحرام إلا استجاب لها وقبل بها .
فيما يرى المدقق في ملابسات تلك الاتفاقيات أن ( دعاتها ) قد جردوا أنفسهم من جميع الخيارات , وتمسكوا ( بالسلام ) مع العدو كخيار استراتيجي ووحيد ، الأمر الذي زاد في تعنت الصهاينة وتصلبهم أثناء سير المفاوضات وما آلت إليه من نتائج مجحفة بالحقوق العربية والإسلامية .
يكمن الفارق الجوهري بين الواقعتين ( صلح الحديبية واتفاقات السلام مع الصهاينة ) في اختلاف حكم كل من الدارين ( فلسطين ومكة ) ,ففلسطين بلد عربي إسلامي , وهي جزء لا يتجزأ من دار الإسلام التي تجري فيها أحكامه , وخضوعها الآن للاحتلال الغاضب لا ينفي عنها عروبتها وإسلاميتها, ولا يزيح عن كاهل المسلمين واجب السعي لاستردادها وتحريرها , بالغا ما بلغت التضحيات ،أما مكة في ذلك الوقت ، فقد كانت دار حرب ، ولم تستظل بعد بفيء الإسلام وأحكامه , بل إن الهجرة منها – حينها – كانت واجبة على المسلمين لأسباب عديدة – لا يتسع المجال لذكرها – فكيف يتم القياس بينهما وعلى أي أساس؟!
على أننا إذا أردنا أن ندعوا القائلين بجواز القياس على صلح الحديبية لاستعراض الأهداف والأغراض السياسية والعسكرية والإعلامية التي كان رسول الله يتوخاها من عقد ذلك الاتفاق – وهو الأمر الذي ثبت صحته فيما بعد – لطالت القائمة , وتشعبت بنا السبل.
فصلح الحديبية كان اعترافاً سياسياً من قريش بدولة الإسلام الفتية , وحقبة جديدة اضطرت فيه قريش لمعاملة المسلمين على أساس الند للند , بعد أن أصبح أمر الدولة الإسلامية واقعاً لا مفر من مواجهته " بل هو أعظم الفتوح قد رضي المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالراح ويسألوكم القضية , ويرغبوا إليكم بالأمان وقد رأوا منكم ما كرهوا " . بينما كان الصلح مع الصهاينة بوابة فتحت أمام الصهاينة سبل الاعتراف بكيانهم المشتول , واختراق الأسواق العربية والدولية لبضائعهم، فيما بقيت الأراضي المحتلة بأيديهم , فتحقق لهم بذلك أكثر ما كانوا يتوقعون هم أنفسهم من هذا الاتفاق .
وعلى صعيد آخر كان الصلح فتحاً إعلامياً مبيناً , فقد أدى إلى إيقاف ما كانت تثيره قريش من تشويه إعلامي حول الإسلام ومعتنقيه , وهي القبيلة المرموقة المكانة بين العرب , بينما جرَّ الصلح مع الصهاينة ويلات على الشعوب العربية والإسلامية , تمكن بموجبه العدو من إكراه الحكومات على تغيير المناهج , وحذف كل ما يمس باليهود أو يشير إلى الجهاد كأسلوب في التعامل معهم , مهيئين الأجواء بذلك لتقبل التعايش مع الصهاينة فضلاً عن خسارة الساحة الدولية المؤيدة لحقوقنا بعد عدوان 1967 , بعد أن تنازل أصحاب الحق عن حقوقهم .
وعلى الصعيد العسكري منح الصلح المسلمين حرية المناورة والحركة بعد أن تم تحييد الجهة الجنوبية لدولتهم ( قريش ) , ليتفرغوا لسد الثغور على حدودهم الشمالية , فلم تمض أيام قليلة حتى توجه المسلمون إلى خيبر وأعمالها فاتحين لها , ليتم القضاء على تهديد خطير للدعوة الإسلامية , أما معاهدة الصهاينة فإن تخفيض عدد الجيوش , والإضعاف من قدراتها التسلحية كان شرطاً أساسياً , فضلاً عن استباحة الأرض العربية أمام القواعد العسكرية الأجنبية وزرع أجهزة الإنذار المبكر فيها .
فإذا علمنا أن الداخلين في الإسلام بعد صلح الحديبية وحتى فتح مكة بعد سنتين قد تجاوز عددهم من دخلوا في الإسلام منذ فجر الدعوة وحتى زمن الصلح , بعد أن وفر السلم الأجواء السلمية لنشر الدعوة بين القبائل تسنى لنا أن ندرك ما حققه المسلمون من عقد صلح كهذا , فيما يعجز المرء عن إدراك الفوائد المترتبة من الصلح مع الصهاينة لندرتها – إن لم نقل لفقدانها – إلا ذا استثنينا أمر استعادة أرض هي في الأصل حقاً شرعياً لنا وبشروط تجعل منها أقرب إلى أن تكون مستلبة السيادة، مضيعة الهوية والانتماء .
ربما بدا للبعض أن الظروف الإقليمية والدولية والآثار المتوقعة من عقد الصلح مع العدو الصهيوني مسوغاً معقولاً للسير قدماً في تحقيق ( سلام موهوم ) مع العدو , غير أن غياب الآثار الإيجابية لمثل هذا الصلح , وعدم وجود ضرورة ملحة وملجئة لاستبدال أسلوب الكفاح المسلح بطريق المفاوضات الشائكة والمذلة , جعل من هذه الاتفاقيات حبراً على ورق – على الأقل بالنسبة للشعوب العربية والإسلامية – ولم يقدر لهذا الحبر سوى أن يسطر صفحات من الذل والمهانة وسلسلة طويلة من التنازلات المرعبة لا تزال الأمة تعاني من تجرعها لآثاره , فطلب الصلح والسلام من الطرف الأضعف عسكرياً وسياسياً – على فرض صحة هذا الإدعاء – لن يكون سوى طلباً للاستسلام ودعوة لإملاء الشروط والتنازلات المذلة فيما يتمثل السبيل الوحيد لتحقيق السلام الحقيقي في المنطقة واستعادة الحقوق المغتصبة بسلوك طريق الجهاد المسلح ضد العدو , ليأتي عقد الصلح بعد ذلك ثمرة للأسلوب الوحيد لاسترداد الحقوق ( القوة ) , وإلا فإن سلوك أي سبيل آخر سوف يعني وضعاً للعربة قبل الحصان , ولن ننتظر بعدها طويلاً حتى نتعرف إلى النتائج والمآلات.
التوقيع:
دعاء الكروان غير متصل