منتديات العيساوية - لك اب وأم و أخوة و أقارب ولــــــي ..

ولي ربــــــــــــــــــــــــي

كان بيتك يبعد عن بيتي عشرات الامتار ولكنني كلما مررت من امام بيتك ينتابني احساس غريب, ففي النهار كانت النوافذ مغلقة وفي الليل ارى بصيصا من النور من تحت الباب ،

أو من بين فتحات صغيرة في احدى النوافذ ، ولم اعرف بتاتا من يسكن هذا البيت.
وتمر الايام واذا بزميلة تتوجه الينا بطلب لاحتضان طفل لاسباب تتعلق بصحة الام والتي مرّت ببعض العمليات الجراحية بعد الولادة ولوضع الأب العامل والمعيل لعدد من الانفار و...و...وقلت لها (طبعا بموافقة زوجتي) وبدون تردد ..على الرحب والسعة.
وكان ما كان من ترتيبات وتحضيرات في منزلي لاستقبال هذا الطفل.
لم يكن طفلا ، بل ملاكا لم يبلغ الشهر الثاني من عمره , حملته بين ذراعي ويا سبحان الله على ما رأيته في وجهه من نور وجمال وأمل.
احتضنته وضممته الى صدري واذ به يبتسم لي .. ومزّق قلبي ومن ثم ناولته لزوجتي لاطعامه. وبين الفترة والاخرى اقوم بضمّه الى صدري وبنظرات غريبة حزينة يتفقد من حوله وعاهدته على ازالة حزنه وبإذن الله.
لم ارغب في الذهاب الى العمل لئلا افتقده لدقيقة واحدة ولكنني كنت مرغما على الذهاب.
اتذكر ياولدي ؟
اينما ذهبت ...اعود مشتاقا لأضمّك الى صدري ,لأداعبك ,لأطعمك ,لأسمعك الموسيقى ومن اعذب الألحان وحتى اسمعتك عبد الباسط والنقشبندي وارى الخشوع في وجهك .
اعود لأسمعك القصص وكنت تبتسم (كأنك فاهم يا....) وتنظر الي بنظرات .. ما اجملها
اعود لأداعبك وأطعمك , وراقبت في كل يوم حركاتك اللطيفة والمضحكة
اعود لأسمع صوتك ومناغاتك.
وادخلت البهجة والسرور لبيتنا.
وكبرت يا ملاكي ومنذ السنة الاولى وحتى الرابعة كنت جليسي وانيسي ومرافقي اينما ذهبت ، ان كان للنزهات أو الالعاب وحتى زيارة الأهل بعد ان تمّت ترتيبات خاصة ، فذهبت في المرة الاولى وكان مشهد لا اتمنّاه لألدّ اعدائي ، وأجبرنا على تركك ليوم او اكثر ، وانا في انتظارك على احرّ من الجمر ، في الوقت الذي انت في بيت اهلك وهم احقّ مني بك ، ومن ناحية اخرى كان موقفا صعبا لي ولبيتي ، ويومها احسست بفقدان كبير. وبعد ليلة قضيتها في احضان اهلك عدت الينا . .وكبرت وفي أرقى الحضانات نهلت الطفولة . كنت محبوبا لشخصيتك وليس شفقة وعطفا لأنك في اعينهم وفي قلبي فأنت ابني ، وكنا نقوم بترتيب زيارات لأهلك من فترة لأخرى لتكون قريبا منهم ، وانقطعت هذه الزيارات لسنوات ولأسباب صحيّة وأخرى ، وكبرت وترعرعت في بيتي لأعطيك اغلى ما عندي , فأنت امانة في رقبتي . الى ان جاء والدك طالبا ايّاك لقضاء بعض الايام في احضان العائلة وكان ما كان.
وانتظرنا عودتك ....وانتظرنا ....ولكن ما حدث أنهم أعلموني بأنك ستبقى في احضان والديك!.
(رغم مرض الأم...رغم صعوبة العيش...ورغم...ورغم....)
وفي كل مرة آتي لزيارتك اصطدم بباب موصد ونوافذ مغلقة ولا من معين.
اتدري ما حصل ؟؟ ( اخاطب اعزّ ما فقدت) لم اعرف النوم بتاتا
لم اقترب من الطعام او الشراب ، وحتى اني طلبت اجازة من عملي وجلست في انتظارك.
ومضت الايام والاسابيع والشهر الاول والثاني والثالث حتى اقمت الدنيا من أجل رؤيتك والاطمئنان عنك ، وكان ما رغبت به واتيت لزيارتك.
لن انسى كيف ركضت نحوي وضممتني بذراعيك مثلما فعلت ، قبلت يدي ورأسي مثلما فعلت أنا وبحرقة وبكيت ، حتى عندما التفتت الى والديك رأيتهما يبكيان.
تضمني الى صدرك وتقول : اشتقت اشتقت اشتقت لك يا بابا.
كان علينا ان نعود الى البيت ، وتركناك في احضان والديك تبكي وتبكي
وودعناك ، وفي طريق عودتي الى بيتي استدرت بسيارتي عائدا لارجاعك ولو ليوم واحد ، وكان ما تمنّيت.
اخذناك ، وما ان فتحنا باب البيت حتى دخلت راكضا لتتفحّص غرفتك ، لتتفحّص هل ما زالت صورك على المكتبة وفي الصالة وفي غرفة المطالعة ؟ لتتفحص هل ما زالت مكتبتك تضم ّالقصص التى احببت ؟
هل ما زالت زاويتك الخاصة بالرسم والألعاب ، وتفحّصت قطعة القماش التي كنت تضمّها الى صدرك قبل النوم ، ولعبنا معا وشاهدنا الصور وتحدثنا ، وضممت قطعة القماش الى صدرك ونمت نوم الملائكة، وفي اليوم التالي وبعد ان تناولنا فطورنا في الحديقة ، كان علي ارجاعك لأهلك
، لم استطع اعادتك ولم استطع حرمان اهلك ، رغم كل هذا الحب تحمّلت وسأتحمّل ، ولكنك في قلبي وروحي ستبقى.
وفّقك الله يا ملاكي
لك أب وأم وإخوة ولي ربي.