بسم الله الرحمن الرحيم
دخل معلم إلى أحد الصفوف التي يدرس فيها وقام بتوزيع هدايا على جميع الطلاب طالباً منهم أن يضع كلٌ هديته أمامه ولا يفتحها حتى يأذن لهم بذلك ، كانت الهدايا في علب جميلة مغلفة بشكل جميل ومزينة بشريط أنيق ، وبعد تأكده من حصول كل الطلاب على هداياهم أذن لهم بفتحها فتفاجأ الطلاب بمحتويات الهدايا فهناك من وجد قلماً فاخراً غالي الثمن ، وآخر حصل على ممحاة بسيطة زهيدة الثمن أو قلم بسيط وغير ذلك ، وكان أكثر ما لفت ٱنتباه الجميع عدم تساوي الهدايا مما أثار جدلاً وٱستياء لدى كثير منهم ، هناك أوقفهم المعلم طارحاً عليهم بعض الأسئلة ومنها : هل كنت مجبراً على إعطائكم هدايا ؟ على ذلك جزء من وظيفتي أو واجبي تجاهكم ؟ جميعكم حصلتم على هدايا لم تكونوا تنتظرونها أصلاً ثم عندما وصلتكم بدأ كل واحد بالنظر لما بيد غيره فمنكم من فرح أن هديته أجمل أو أثمن أو ذات قيمة أعلى ، ومنكم من ٱستاء لأنها عكس ذلك ، ونسيتم أنها كلها هدايا ولا يحق لأحد الٱعتراض عليها ، وقلتم أنه ليس عدلاً ! عن أي عدل تتحدثون بالضبط ؟ جميعكم حصلتم على هدايا في حين أنه كان بإمكاني ٱستثناء من أريد أو إعطاء شخص واحد فقط أو أكثر حسب ما أريده أنا بما أنها مجرد هدية جاءت مني أنا .

ولله المثل الأعلى سبحانه وتعالى
ٱنظروا وراجعوا أنفسكم ولنفكر جميعنا في حياتنا وكل ما أعطانا إياه ربنا الكريم ، أليست حياتنا هدية من رب العالمين ؟ وكل تفصيلة فيها وكل نعمة فيها هي منه جلّ جلاله ؟ وبدل أن نفرح بها ونشكره عليها نفتح أعيننا على ما خص به غيرنا ونبدأ بالمقارنة ، فمنا من يأخذه الفخر والغرور ومنا من يغمره الفرح والسرور ، ومنا من يعكر صفوه البؤس والنفور ، أو تتملكه الغيرة والحقد والشرور ، وقليل منا الراضي الشكور .
جئنا من عدم ، أعطانا الله سبحانه وتعالى نعمة الحياة ومنحنا فرصة التنافس بين ملايين النطف لنكون نحن من ٱجتاز أول وأهم سباق بٱختيارنا وجهود كبيرة لا يعلمها إلا الله وحده كي ندخل هذا الإمتحان إمتحان الحياة الدنيا لأننا عرفنا مسبقاً أن من يجتاز هذا الإمتحان السريع بنجاح ينعم في جنات الخلود فقررنا خوض التجربة بعزم وإصرار ثم إذا ما بدأنا ندرك الٱختلافات فيما بيننا في كل شيء نسي كثير منا أن الحياة أصلاً هدية وٱنشغلنا بما رُزِق به غيرنا متناسين أننا جميعاً متعادلون في حصولنا على ذات الهدية والتي لم نكن ننتظرها أصلاً وهي نعمة الحياة بحد ذاتها وفرصة خوض هذا الٱمتحان للفوز بالجنات ورضا العلي الرحمن ، وربما تناسينا أنه هو العدل ولا يرضى لنفسه بالظلم وحرمه على نفسه من قبل أن يخلق الخلق ، سبحانه جلّ في علاه وهو الحكيم الخبير له في كل شيء حكمة وهو علّام الغيوب

اللهم ٱجعلنا من أولي الألباب الذين ينادَون يوم الحساب إلى الجنة من كل الأبواب دون حساب أو سابقة عذاب

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على الحبيب سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين