المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القدس عاصمة الثقافة


محمد علي عطية
06-02-2009, 04:21 PM
في الدورة الخامسة عشرة لمجلس وزراء الثقافة العرب في العاصمة العمانية مسقط عام 2006، طالب وزير الثقافة الفلسطيني في ذلك الوقت د. عطا الله أبو السبح بتبنّي اقتراح القدس عاصمة للثقافة العربية عام 2009، يومها وافق وزراء الثقافة العرب بالإجماع، خاصة أن وزير الثقافة العراقي طلب تأجيل اعتماد دور بغداد كعاصمة للثقافة العربية في 2009، نظراً للظروف التي يمر بها العراق عموماً وعاصمته بغداد خصوصاً.
هذه الدورة لوزراء الثقافة كانت تاريخية، وأعتقد أن التاريخ الثقافي العربي المعاصر سيذكرها طويلاً لعدة أسباب أولها: أن القدس لا تزال تحت الاحتلال الصهيوني منذ حزيران/يونيو 1967. وهذا الاختيار سيضع وزارات الثقافة العربية أمام تحديات كيفية إطلاق الفعاليات الثقافية فيها.

كما أنّ هذه المناسبة الاستثنائية ستُخرِج الاحتفالات الثقافية السنوية من الشكل المعتاد والتقليدي للثقافة إلى واقع جديد ممزوج بالدم والنار، لثقافةٍ لها لغتها ووهجها وطريقتها الخاصة في التعاطي مع احتلال صهيوني تسلّم رايته من استعمار بريطاني سابق.

كما أنّ هذا الاختيار سيجعلهم بلا شك أمام عنوان مهم يجب أن يستدركوه منذ اللحظة الأولى للأسباب السابقة، وهو أنْ تكون الاحتفالية من أجل القدس وليس احتفالاً بالقدس، وخاصة أن الوزراء اتفقوا أن يكون هناك إحياء لهذه المناسبة في العواصم العربية على مدار عام 2009. خاصة أن صورة الثقافة في الذهنية العربية المعاصرة نخبوية ومنغلقة وغير قادرة على خلق التواصل الفاعل بين الجماهير والمثقفين. لأسباب كثيرة يجب على كل جهة مهتمة بهذه الاحتفالية أن تعالجها وأن لا تقع في الأخطاء المرافقة للاحتفاليات الثقافية التقليدية التي أشرنا إليها.

حلم يتحقق

ابتسم صديقي وهو يقول لي: تحققت أمنيتك أخيراً، وتم اختيار مدينة القدس عاصمة للثقافة العربية. أجبته قائلاً: صحيح، هي أمنية تحققت، لكن الأخطر أن توأد هذه الأمنية بأيدينا!!

أعتقد أن اختيار القدس عاصمة للثقافة في احتفاليات وزارات الثقافة العرب كان حلماً راود الآلاف من الأدباء والمثقفين العرب وليس الفلسطينيين فقط، فالقدس عاصمة للثقافة العربية والإسلامية. إنها محطة مهمة للغاية قد تحمل معها في المستقبل بعض البشائر الثقافية إذا ما أحسنّا قراءة الواقع، ووضع الخطط اللازمة لمثل هذا المشروع الكبير. ولأنّ الحديث هنا عن الثقافة تحديداً فيمكن أنْ نقول بكل واقعية إننا بحاجة إلى أنْ ينهض هذا المشروع بأمتنا وثقافتها ويؤسس لمرحلة ثقافية تنتمي إلى تاريخها وحضارتها وتراثها ودينها. وأرى أنْ يكون من هذه الخطوات إنهاء حالة القطيعة بين الثقافة والجمهور باختيار وسائل وبرامج تمكّن الفرد الفلسطيني والعربي من المشاركة في إحياء هذا المشروع في كل مكان يتواجد فيه.

سؤال يتجدد

قبل عامين أُطلِق سؤال محوري في العمل الثقافي الفلسطيني: كيف يمكن للقائمين على العمل الثقافي الفلسطيني أن يوحّدوا جهودهم، ويتناسوا خلافاتهم، ويتجاوزوا العوائق التي تواجههم، ويؤسسوا لمرحلة جديدة في المشروع الثقافي الفلسطيني؟

هذا السؤال يتجدد اليوم ويمكن القول إنّ الساحة الثقافية الفلسطينية تتسع لكثيرٍ من الجهود والطاقات الإبداعية الأصيلة، وفضاؤها يستطيع احتضان آلاف الأقمار التي تشع بالضياء. وبالتالي فإنّ الهاجس الذي قد يكون لدى بعض الجهات النقابية الفلسطينية أو المؤسسات أو الرموز هي هواجس يجب أن تزول، ويحلّ مكانها الشعور بالحاجة إلى التكامل ووضع برنامج ثقافي تتفق عليه الجهات الثقافية المختلفة، ولا تبعد في الوقت ذاته جهود الأشخاص والرموز غير المنضوية تحت سقف نقابة أو اتحاد أو مؤسسة أو رابطة أو أي تجمع أدبي وثقافي.

كما أن العدو الصهيوني المحتل وعبر العقود الماضية استهدف الثقافة الفلسطينية بكل مكوناتها التاريخية والتاريخية والتعليمية والدينية والأدبية، وأعلن الحرب على مؤسساتها ومقراتها من خلال القصف أو الحصار أو المصادرة أو التهويد وخاصة فيما يتعلق بالمقدسات.

وقد استهدف كثيراً من الشخصيات الأدبية والثقافية الفلسطينية على اختلاف توجهاتها السياسية وانتمائها الفصائلي، ذلك عبر الاغتيال تارة، والاعتقال تارة أخرى (كمال ناصر، غسان كنفاني، ناجي العلي، عبد العزيز الرنتيسي....).

إذن، على الجهات الثقافية الفلسطينية المختلفة أن تدرك أن مناسبة اختيار القدس عاصمة للثقافة في الوطن العربي عام 2009 فرصة لتعزيز المشروع الثقافي في فلسطين الذي تراجع إلى الخلف بشكل كبير، بل وأصيب بكثيرٍ من الإحباطات والأمراض. حين أصاب الخطاب السياسي الفلسطيني ازدواجية المسار بين عملية التسوية وبين خيار المقاومة.

وبالتالي، فإنّ العودة إلى التمسك بالحقوق الوطنية الفلسطينية سيعيد للهوية الثقافية روحها، ويساهم بشكل كبير في إعادة دورها إلى الساحة الثقافية العربية والعالمية بقوة.

إنّ القدس عاصمة للثقافة تقتضي مسؤولية كل الجهات الثقافية الفلسطينية الرسمية والشعبية، هي مسؤولية وزارة الثقافة في السلطة الفلسطينية ودائرة الثقافة في منظمة التحرير. كما هي مسؤولية المؤسسات والروابط والتجمعات الثقافية المستقلة داخل فلسطين المحتلة عامي 1948 و 1967 وفي الشتات.

هي التحدي الذي يواجه الجامعات الفلسطينية في الوطن المحتل، كما هي التحدي الذي يجب أن يعرفه بإيجابية الرموز الثقافية الفلسطينية، وأيضاً هي مسؤولية المنابر الثقافية وكل من يرى أنه قادر على أن يساهم في المشاركة الإيجابية.

وعلى المؤسسات الثقافية الفلسطينية في الداخل والخارج وعلى امتداد الوجود الفلسطيني الجغرافي في فلسطين المحتلة عامي 48 و67 أن تنسق الجهود وتقترب من الهم الثقافي الواحد، وعلى وزارة الثقافة الفلسطينية أن تأخذ بعين الاعتبار التنسيق مع الجهات الثقافية الفلسطينية خارج الوطن المحتل، كما تنسق بكل فاعلية مع الوزارات الثقافية العربية، التي ستكون مفتاحاً لتفعيل ثقافي في بلدانها.

ثقافة مقدسية فلسطينية!!

قد يظن البعض أنّ تركيزنا على الشأن الفلسطيني في ترتيب البيت الثقافي هو انكفاء على الذات، وتقزيم لقضية القدس التي تكتسب بعداً عربياً وإسلامياً وإنسانياً بل ومسيحياً يعاني من احتلال صهيوني لمقدساته أيضاً في المدينة!!

من خلال الشكل الظاهر قد يبدو هذا الأمر إلى حدّ ما، لكن هذا الاهتمام بالبيت الثقافي الفلسطيني الفصائلي والمؤسساتي الرسمي والشعبي، الأهلي والأكاديمي، كلّ هذا مردّه إلى أنّ التوجس والخوف يحيط بأقلامنا ونضع قلوبنا على أحلامنا ونحن نشاهد محاولات الاستئثار بهذا الحدث.

ففي أوائل كانون الأول/ديسمبر من عام 2007، عقدت السلطة الفلسطينية في رام الله مؤتمراً صحافياً أعلنت فيه عن تشكيل لجنة رسمية لاحتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية، على أنْ يكون رئيسها الأعلى محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، وتضم الشاعر محمود درويش كرئيسٍ للجنة، ود. حنان عشراوي والمحامي أحمد الرويضي وياسر عبد ربه وزوجته ليانة بدر، والشيخ محمد حسين، والبطريرك ميشيل صباح، وناصر القدوة، وإبراهيم أبراش، ولميس العلمي، وخلود دعيبس، ومحمد اشتية، ومازن سنقرط ويحيى خلف، إضافة إلى ممثلين عن المؤسسات الأهلية والثقافية في القدس.

هذه اللجنة التي تشكلت أثارت كثيراً من التخوفات والتساؤلات والاتهامات لأنها تشكلت من طيف واحد واستثنت العديد من الأطياف الفكرية والثقافية الفلسطينية الأخرى من أبرزها الدكتور عطا الله أبو السبح وزير الثقافة الذي تحقّق على يديه هذا الإنجاز الثقافي الكبير، وكل ذنبه أنّه ينتمي إلى حركة حماس المغضوب عليها في مقاطعة رام الله!!

هذه المفارقة المضحكة المبكية، وهذا التسييس المقيت للثقافة ولقضية مقدسة يوضح شيئاً من الأسباب التي أردنا من خلالها أن نركز على البيت الفلسطيني رغم إيماننا وقناعتنا الوجدانية والفكرية أن القدس قضية مركزية جامعة، وهي أسمى من أي اختزال أو بعثرة أو تشتيت.

ناهيك عن استبعاد فلسطينيّي الشتات بعطائهم ومؤسساتهم، وفلسطينيّي عام 1948 بصمودهم وتفاعلهم المتميز مع قضية القدس، حتى صارت جهودهم الأبرز في مجال الحفاظ على هوية وتاريخ وثقافة المدينة المقدسة خلال العقد المنصرم.

فبالله كيف لمثل هذه اللجان أن تنجح؟ وكيف لهذه الفعاليات أن تحقق الأهداف المنشودة إذا كانت تدور في مثل هذه الأفلاك؟

أمام مسؤولياتنا

إذا كانت مؤسسة القدس الدولية قد اقترحت أنْ يكون هناك حملة أهلية لهذه الاحتفالية كي تخرج من ثنائية التناقض السياسي الفلسطيني، فهذا أمر طيب، ورؤية فيها صوابية لتخرج من دائرة الجدل إلى أرض الواقع المؤثر.

غير أنّ هذه الحملة يجب أن تشمل معظم المؤسسات واللجان والروابط إنْ تعذّر أنْ تكون كلها. بحيث تعطي كل جهة ثقافية ما تستطيع أن تنجزه من خلال هذه الحملة.

غير أنّ هذه الحملة الأهلية على تسميتها ورؤيتها لم توقفْ الاستفراد الرسمي في رام الله بالثقافة والقدس!! وكأنّه لا قدس بدون محمود عباس، ولا ثقافة بدون يحيى خلف!!

إنّ القدس عاصمة للثقافة في الماضي والحاضر والمستقبل، واحتفالية عام 2009 محطّة ليقف كل منا أمام مسؤولياته التاريخية والوطنية والدينية، ومن يريد كلمات إضافية فلن أزيد بل أحيله إلى قصيدة (تفاؤل وأمل) للشاعر الراحل إبراهيم طوقان... وكفى!!