المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة -الأزمـة المـاليـة العالـميـة -


النقوبي
27-11-2008, 04:44 PM
اخواني الكرام
السلام عليكم


, لقد ارسل لنا الشيخ احمد يعقوب ( عين نقوبا )
خطبة يوم الجمعة

فاليكم الخطبة

بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة / الرقم : 290 / الموضوع : الأزمـة المـاليـة العالـميـة .
25/10/1429هـ 24/10/2008م


إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونَستَعينُهُ ونستَغفرُهُ ، ونَعوذُ باللهِ من شرورِ أنفُسِنا ، ومن سَيّئاتِ أعمَالِنا ، من يَهدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ، ومَن يُضلِلْ فَلا هَاديَ لهُ .
وأشهدُ أن لاّ إلهَ إلاّ اللهُ وحدَهُ لاَ شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنَّ مُحمّداً عبدُهُ ورسولُهُ . {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ102}آل عمران
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً 1*} النساء { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا ً 70 يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً71}الأحزاب
أمّا بعدُ:فإنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ ،وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ ، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها ، وكلَّ مُحدَثةٍ بدعَةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضَلالةٌ وكلَّ ضَلالةٍ في النّارِ .
وأوصيكُم ونفسيَ بتقوى اللهِ .
أيها الناس: كلُّنا سمعَ عن مُجريات الأحداث التي تتناقلَها وسائلُ الإعلامِ عن الأزمةِ الماليةِ العالمية ، وهذه الأزمةُ المالية عصفت بكثيرٍ من دولِ العالم ، حتى أنّ كلمةَ "الموت أو الهلاك " هي الصَيحةُ التي أطلقَها محافظُ البنكِ المركزيّ الأمريكيّ مُعبرًا عن عُمقِ الأزمةِ ، التي ضربت الاقتصادَ الأمريكيّ قاطرةُ الاقتصادِ العالمي ، فتركتهُ مُترنحًا بعد أن كان جامِحًا جَشِعًا لا يلوي على شيء .
أيها المسلمون: لقد جربت بعضُ الدولِ النظامَ الماليّ الشيوعيّ الذي صادرَ حقَّ الفرد في التملك ، وجعلَ الدولةَ كشركةٍ يعملُ أفرادُها فيها مُقابلَ ملءَ بطونِهم وسَتر أجسادهِم وتوفير الضروريّ من مقوماتِ حياتِهم ، وليس لهم حقٌّ فيما زادَ على ذلك ، فساوى هذا الفكرُ المنحرف بين العامل والعاطل ، وبين الجاد والكسول ، ففشِلَ وسقَطت الدولُ التي كانت تَتبنى الفكرَ الشيوعي ، وانقسمَ بعضُها إلى دُويلات . واليومَ وما يجري من أحداث يُثبتُ فشلَ النظامَ الرأسماليّ الذي تبنتهُ مجموعةٌ من الدولِ الغربيةِ ، حيثُ أُطلق للأفرادِ حريةُ التملكِ وتنميةُ المالِ بأيّ وجهٍ ؛ مِما سمحَ للأقوياءِ أن يسحَقوا الضعفاءَ ، وللأغنياءِ أن يُبيدوا الفقراء بِمسوّغات السوق الحُرّة والتجارة الحُرة .
لقد تنكّبَ أولئك الخلقِ طريقَ الحقّ وخالفوا تعاليم الخالق :{ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الملك:14. فتفننوا في تشريعِ قوانينَ أرضيةً تحترمُ رأسَ المالِ ولا تحترمُ الآدميّ ذاتَه ؛ ولهذا جوّزوا للشركاتِ الزراعية مثلاً أن يُتلفوا محاصيلَهم وأن يُلقوها في المزابلِ ويُدفنوها تحتَ التراب ليُحافظوا على حركةِ العرض والطلب وعلى الأسعار ولو تضورَ الفقراءُ جوعًا ! .
عباد الله: ليست مفاجأةً لنا نحن المسلمين ، أن يترنّحَ اقتصادٌ يقومُ على مبدأِ الحريةِ المطلقةِ ويتغذّى على الرّبَا ويستندُ على السّندات والديون والمُقامرة ، ولكنّها مُفاجأةً للعالمِ المتحضر الذي لا يؤمنُ إلا بالقيمِ الرأسمالية ، كما أنها مفاجأةً وإحراجاً لكلّ من نحا نحوَهم أو دارَ في فلكِهم .
أيها المسلمون: إن أسبابَ الانهيارات الماليةِ الحاصلةُ في العالمِ لا يُمكنُ حصرَها فقط في الصعوباتِ التي تعرّضت لها بُنوك العقارات الأمريكية ، نتيجةً لهبوطِ الأسعارِ في سوق العقارات فحسب، وإنما هناكَ أسبابٌ كامنة أخرى لا يُمكن غضُّ النظرِ عنها أوتناسيها ومنها: أنّ الرّبا ومعاملاتهِ الجائرةُ الظالمةُ سببٌ رئيس لهذا الفسادِ الاقتصادي المهدد بالسقوط ، وهذه حقيقةٌ كشفَها القرآنُ قبل أكثر من ألفٍ وأربعمائةِ عام حين أعلنَ اللهُ تعالى حربَه على المُصرين على التعاملِ بالربا ، فقال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ } البَقَرَةِ:278،279. إنهُ جزءٌ من انتقامِ اللهِ الذي وعدَ بهِ المُرابين:{ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }البَقَرَةِ:275. ويؤكدُّ الذي لا ينطقُ عن الهوى في سُنتهِ أن عاقبةَ الربا إلى قِلّ وإن توهَّم المرابونَ خلاف ذلكَ وانخدعوا ، روى الحاكم بسند صحيح عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ ، فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ تَصِيرُ إِلَى قُلٍّ ) صحيح الترغيب.
عباد الله: ومن أسبابِ هذه الأزمةِ ظلمُ أولئك القوم للمسلمينَ وغير المسلمين ، الظلمُ ما أشدّ عاقبتَه وما أسوأَ نهايتَه وما أقبح خاتمتَه ! فكم ظلمت تلكَ الدولُ الكافرة المستكبرة ، وكم طغَت وبغت ، وكم اغترت وقالت: إنها أشدُّ الناس قوة :{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً }فصلت:15. لطالما ناصروا الظلمَ والظالمين ، ولا يخفى ماذا فعلوا ويفعلونَ في العراقِ وأفغانستانِ وغيرها من دول المسلمين ، وصدق الله العظيم:{ وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} إبراهيم:42:{ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }هود:102:{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } المدثر:31. نعم ، هكذا تكونُ العاقبة ، وهذه بعضُ عقوباتِ الجبار جلّ في علاه :{ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ }الأعراف: 167:{ لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } آل عمران:196،197. قال الشيخُ السعدي رحمه الله: "هذه الآية المقصودُ منها التّسليةُ عمّا يحصلُ للذينَ كفروا ، من متاعِ الدنيا وتنعُّمهم فيها وتقلُّبهم في البلاد بأنواع التجارات والمكاسب واللذات ، وأنواعُ العزّ والغلبة في بعض الأوقات ، فإن هذا كلّه متاعٌ قليل ، ليس له ثبوت ولا بقاء ، بل يتمتعونَ به قليلاً ويُعذبون عليه طويلاً، هذه أعلى حالة تكون للكافر " وأقول قولي ...
الحمد لله حمد ... .
أيها الناس: وثالثُ الأسبابِ لهذه الأزمةِ المالية تلك الحربُ التي شنّها الغربُ على
المؤسساتِ الخيريةِ الإسلاميةِ مِمّا تسببَ فى إغلاقِ العديدَ منها وتوقفِ أعمالها الخيرية ؛ مما أدى إلى حِرمان الآلاف من الجائعينَ والمحتاجين من الطعام والكساء . تسلطوا على لُقيمات الفقراءِ في البلاد الفقيرة ، فأخرجوها من أفواهِ اليتامى والمساكين، وجردّوهم من كلِّ صدقة تأتيهم من الدولِ الإسلاميةِ تحت كذِبة " الحرب على الإرهاب ". وسعت أمريكا لتجميدِ كلّ مالٍ يُنفقُ في سبيلِ الله تعالى ، فجمَّد الله تعالى أموالهم ، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } الأَنْفَالِ:36 .
عباد الله: والغربُ أيقنوا أن لا شيء يهزّ اقتصادَهم وقد بلغت صناعاتهم ما بلغت ، والذي حصلَ كما في قوله تعالى:{ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 24} يُونُس. فالبلاءُ جاءَهم من نظريتِهم الرأسمالية التي حاربوا عليها الاشتراكيةَ سبعينَ سنة ، وطوّعوا العالمَ كلّه في منظمةِ التجارة العالمية وقوانين السوقِ الحرة المفتوحة .فجاءهم العذاب من نظريتِهم التي بنَوها بأنفسِهم ، عباد الله: منذ سنوات والشهادات تَتوالى من رجالاتِ الاقتصاد تُنبه إلى خطورةِ الأوضاع التي يقودُ إليها النظامِ الرأسمالي ، وضرورة البحثِ عن خياراتٍ بديلةٍ تصبُّ في مُجملها في خانةِ البديلِ الإسلامي . فالغربُ يحاول الآن الاتجاه نحوَ الاقتصادِ الإسلامي كمحاولةٍ للخروج من أزمتهِ المالية ، حيثُ يقول أحد رؤساء التحريرِ في الصحافةِ الفرنسية:" لقد آن الأوانَ لأن يُعتمدَ على الشريعةِ الإسلاميةِ في المجالِ الماليّ والاقتصاديّ ؛ لوضعِ حدٍّ لهذه الأزمة التي تهزّ أسواقَ العالم من جراءِ التلاعبِ بقواعد التعاملِ والإفراط في المُضاربات الوهمية غير المشروعة ". وفي استجابةٍ على ما يبدو لهذهِ النداءات أصدرت الهيئةُ الفرنسيةُ العليا للرقابةِ الماليةِ ـ وهي أعلى هيئةٍ رسميةٍ تُعنى بمراقبةِ نشاطات البنوك ـ قرارًا يسمحُ للمؤسسات والمتعاملين في الأسواق الماليةِ بالتعاملِ مع نظام الصكوك الإسلاميّ في سوق المنظمةِ الفرنسية .
والسؤالُ عباد الله الذي يفرضُ نفسَه هو: هل سينجح العربُ والمسلمون في استغلال هذه الأزمةِ لصالحِ تطوير النظام الاقتصاديّ الإسلامي ، والاستثمارُ في بلادِهم بدلا من بلادِ الغرب ؟ وهل ستتوبُ الدول التي تقوم اقتصادياتها على الربا والغرر والقمار والحرية المطلقة الظالمة من ذلك ، وتستفيدُ مما حصلَ وتتعظُ قبل أن ينالهَا ما نالَ أكبر اقتصادٍ في العالم ؟
عباد الله: إنّ الذنوبَ والمعاصي هي سرُّ هذه البلايا المتتالية وسببُ الكوارث المتعاقبة ، ومنشأُ الأدواء المستعصية التي تعصفُ بالعالم كلّ يوم ، وكم أهلكت المعاصي من أممٍ ماضية ، وكم دمرت من شعوبٍ كانت قائمة ، فالمعاصي سببُ المصائب ، وأن الطاعةَ سببُ النعمة . عجباً لحالِ الناسِ في هذه الحياة ، يعصونَ اللهَ تعالى بالليل والنهار ، ويُعرضون عنه وينسونَ فضلَه وإحسانه ، ويكفرونَ نِعَمَه عليهم ، ثمّ إذا جازاهُم على بعضِ أعمالهم بالقليلِ إذا هم يتسخطون ويقنطونَ من رحمةِ الله وفضله وإحسانه ، وإن من غرورِ العبدِ إقامتهُ على الذنوبِ والمعاصي وهو يتمنّى على اللهِ المغفرةِ والسلامةِ .
أيها المسلمون: إننا حين نذكّرَ بما أصابَ الغرب أو غيرَه من الأزمةِ الماليةِ إنما نسوقُ ذلك للعبرةِ والعظةِ والتذكيرُ بمصيرِ الأُمَم عندما تُحاربُ اللهَ وتُقْصِي شرعه وتفشو فيها المنكرات بلا حسيب ولا رقيب . فاتقوا الله عباد الله ، وتذكّروا قولَ اللهِ تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } الأَعْرَافِ:96.
اللهم ردّ المسلمين إلى ... . اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات ... .
اللهم ... .
اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين .



الموضوع الاصلي :
http://www.naquba.net/vb/showthread.php?t=1499