المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رمضان


عيساوي غلبان
26-02-2007, 09:16 PM
إصطفاء الأنبياء من الناس
لقد إصطفى الله سبحانه وتعالى الأنبياء ليكونوا صفوة الناس، وإصطفى من الأنبياء آدم ونوحا وإبراهيم وعمران ومن ذريتهم من يشاء، يقول سبحانه وتعالى في سورة آل عمران 3- أية 33 (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) وإصطفى سبحانه وتعالى من الناس أجمعين وممن إصطفى من الأنبياء سيدنا محمد واختاره ليكون هادي الناس والشهيد عليهم وليكون خاتم النبيين والمرسلين، وهو سيد الأولين والآخرين، فهو صلى الله عليه وسلم أحب الخلق لله سبحانه وتعالى.

إصطفاء جبريل من الملائكة
واصطفى الله جل وعلا جبريل عليه السلام من الملائكة ليكون الروح الأمين، والمبلغ عن رب العالمين، قال تعالى: (اللهُ يَصطَفِى مِنَ المَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيع بَصِيرٌ) (الحج:75).

إصطفاء الإسلام دينا لعباد الرحمن
واصطفى الله تعالى دين الإسلام ليكون الدين عنده، يقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة 2 – آية 132 (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، ولن يقبل من أحد ديناً سواه.. (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسلامُ) (آل عمران:19).. (وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإسلامِ دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ) (آل عمران:85).

إصطفاء القرآن كتابا للعالمين
واصطفى الله تعالى القرآن ليكون أفضل كتبه وأكملها، والمهيمن عليها: (وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَينَ يَدَيهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيمِناً عَلَيهِ) (المائدة:48).

إصطفاء الصلاة من العبادات بعد التوحيد
وهكذا.. يصطفي الله تعالى ما يشاء مما يشاء لحِكَمٍ يعلمها سبحانه.. وأما في دين الإسلام فقد فضلت الصلاة على سائر العبادات خلا التوحيد.. واصطفاها الله تعالى لتكون الفيصل بين الإيمان والكفر.. (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) (رواه الترمذي وغيره).. و (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) (رواه مسلم). ولذا فلم تكن الكيفية التي فرضت بها الصلاة كسائر العبادات؛ بل عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء وفرضت عليه بلا واسطة؛ لتعلم الأمة منزلتها ولتقدر هذه العبادة قدرها.

إصطفاء صلاة الفجر من بين الصلوات
وخُصت صلاة الفجر بمزيد من الفضل، وحُفّت بجزيل الثواب والأجر.. فهي محك الإيمان، وعلامة التسليم والإذعان.. يتمايز فيها المؤمن من المنافق،

خطورة تفويت صلاة الفجر
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رؤياه التي رآها فقال: (إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتهدهد الحجر هاهنا فيتبع الحجر ويأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه يفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذا؟ قال: قالا لي انطلق، قال: فانطلقنا..) وفي آخر الحديث قال: (قالا لي: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة) (رواه البخاري). وفي رواية قال: (يُفعل به ما رأيت إلى يوم القيامة) (رواه أحمد). نعوذ بالله من شديد غضبه، وأليم عقابه..
ثم إن التهاون في أداء الصلاة مع الجماعة من علامات النفاق.. صلّى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر يوماً ثم قال: (أشهد فلان الصلاة؟)، قالوا: لا، قال: (وفلان؟)، قالوا: لا، قال: (إن هاتين الصلاتين من أثقل الصلاة على المنافقين ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) (رواه النسائي).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم ثم آمر رجلاً يؤم الناس ثم آخذ شعل من نار فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد) وفي حديث آخر: (والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء) (متفق عليه). وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن) رواه الطبراني في المعجم الكبير 12/271، قال الهيثمي رجال الطبراني موثقون المجمع 2/40. وإنما تكون إساءة الظن بذلك المتخلف عن هاتين الصلاتين لأن المحافظة عليهما معيار صدق الرجل وإيمانه، ومعيار يقاس به إخلاصه، ذلك أن سواهما من الصلوات قد يستطيعها المرء لمناسبتها لظروف العمل ووقت الاستيقاظ، في حين لا يستطيع المحافظة على الفجر والعشاء مع الجماعة إلا الحازم الصادق الذي يُرجى له الخير.
وذُكر عند النبي عليه الصلاة والسلام رجلاً نام حتى الصبح ولم يصل فقال: (ذاك رجل بال الشيطان في أذنه) (متفق عليه).
والأخطر من ذلك أن من أهل العلم من يرى أن من تخلف عن صلاة الفجر حتى يخرج وقتها متعمداً فقد كفر - استناداً على ما ورد من الأحاديث.. وبغض النظر عن رجحان هذا القول من عدمه، ولكن يكفينا شدة أن نعلم أن العلماء قد اختلفوا في ذات إسلام من فرط في صلاة الفجر عامداً حتى يخرج وقتها. نسأل الله تعالى العفو والعافية..
فضل ومكانة وثواب صلاة الفجر
رتب الشارع الحكيم على المحافظة عليها أجوراً لم ينلها غيرها.. فصاحب صلاة الفجر محاط بالفضائل، ومبشر بعظيم البشائر.. فمنذ خروجه من بيته لأداء الصلاة والبشائر تنهال عليه من كل جانب.. قال عليه الصلاة والسلام: (بشّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) (رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني).
وإذا أدى سنة الفجر فهي خير من الدنيا وما فيها. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) (رواه مسلم).. يعني سنة الفجر.
وحين يجلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، (ومن جلس ينتظر الصلاة صلّت عليه الملائكة، وصلاتهم اللهم اغفر له اللهم ارحمه) (رواه أحمد).
حتى إذا ما أقيمت الصلاة وشرع في أدائها فيا للفوز والأجر، ويا لعظيم الفضل وجليل البُشر.. ها هو يقف بين يدي الله وتشهد له ملائكة الله، قال تعالى: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ إِلَى غَسَقِ الَّيلِ وَقُرءَانَ الفَجرِ إِنَّ قُرءَانَ الفَجرِ كَانَ مَشهُوداً) (الإسراء:78). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر) قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم (إن قرآن الفجر كان مشهوداً) (متفق عليه).
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلّى الصبح في جماعة فكأنما صلّى الليل كله) (رواه مسلم). وقال عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) رواه الإمام أحمد المسند 2/424، وهو في صحيح الجامع 133، وقال: (من صلّى الفجر فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله بشيء من ذمته) ومعنى في ذمة الله: أي في حفظه وكلاءته سبحانه، " من كتاب النهاية 2/168" والحديث رواه الطبراني 7/267، وهو في صحيح الجامع رقم 6344، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي، فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون) رواه البخاري الفتح 2/33، وفي الحديث الآخر: (أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة، في جماعة) رواه أبو نعيم في الحلية 7/207، وفي السلسلة الصحيحة 1566. وفي الحديث الصحيح: (من صلّى البردين دخل الجنة) رواه البخاري الفتح 2/52. والبردان الفجر والعصر. وقال عليه الصلاة والسلام: (لن يلج النار أحد صلّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) (رواه مسلم).. يعني الفجر والعصر. ويرجى لمن حافظ عليها وعلى صلاة العصر الفوز برؤية الجبّار جلّ وعلا، فعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله علين وسلم، إذا نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: (أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) (متفق عليه).. يعني العصر والفجر. قال الحافظ ابن حجر: (قال العلماء: ووجه مناسبة ذكر هاتين الصلاتين عند الرؤية، أن الصلاة أفضل الطاعات، وقد ثبت لهاتين الصلاتين من الفضل على غيرهما ما ذكر من اجتماع الملائكة فيهما، ورفع الأعمال، وغير ذلك، فهما أفضل الصلوات، فناسب أن يجازي المحافظ عليهما بأفضل العطايا، وهو النظر إلى الله تعالى..).
ولا ينقطع الفضل بانقضاء الصلاة، ولا ينتهي بانتهائها.. لكنه ما يزال في أجر عظيم وفضل كبير، تحيطه عناية الله، وتستغفر له ملائكة الله.. فعن علي كرم الله وجهه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلّى الفجر ثم جلس في مصلاه صلّت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه) (رواه أحمد).
فضل مجالس العلم بعد صلاة الفجر
جاء في صحيح البخاري (6045) (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي قَالُوا يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ قَالَ فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِي قَالَ فَيَقُولُونَ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ قَالَ فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا قَالَ يَقُولُ فَمَا يَسْأَلُونِي قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ قَالَ يَقُولُونَ مِنْ النَّارِ قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً قَالَ فَيَقُولُ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ قَالَ هُمْ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ ". رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَرَوَاهُ سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
صلاة الشروق
فإذا ما قويت عزيمته، وغلب نفسه، وجلس حتى تشرق الشمس فقد فاز بأجر حجة وعمرة.. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة) (صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير ، برقم: (6346).

وصلاة الشروق لها ثلاثة شروط:
1. أن يصلي الإنسان الفجر في جماعة.
2. أن يجلس يذكر الله في مصلاه حتى يخرج وقت الكراهة.
3. أن يصلي ركعتين بعد شروق الشمس وخروج وقت الكراهة.
ولا تزال البشائر تتوالى عليه، ولا يزال حفظ الله مبذولاً إليه.. فعن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلّى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم) (رواه مسلم). ومعنى من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، أي أن من إعتدى على مسلم صلى الفجر في جماعة، فقد أعتدى على مسلماً في حماية الله، وهذا ذنبٌ عظيم، وعندما يطلبه سبحانه وتعالى بجزاء هذا الذنب فإنه سيدركه بكل ما لديه حتى يفلس، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم.
الله أكبر.. أرأيتم كم للمحافظ على هذه الصلاة من خير وفضل.. وكم يضيع المتخلف عن صلاة الفجر من عظيم الأجر.. نعم.. إنه لا يحرم من هذا الفضل إلا محروم.. ويا ليت الأمر ينتهي عند التفريط في الفضل، والحرمان من الأجر؛ ولكن يترتب على التهاون في الصلاة مزالق عظيمة، وعواقب وخيمة..


صلاة الضحى
صلاة الضحى تكون بعد شروق الشمس وخروج وقت الكراهة سواء ذكر الله بعد الفجر أو رقد فهي صلاة مستقلة بنفسها وهي غير صلاة الشروق. ولا يلزم المواضبة عليها ولا يأثم من تركها.
وقد جاء في صحيح البخاري (1076) حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن بن شهاب عن عروة عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم وما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط وإني لأسبحها)، ‏(‏سبحة الضحى‏)‏ أي نافلته، وهي صلاة الضحى‏.‏ سميت بذلك لما فيها تسابيح.
كما وجاء فيه (1124) حدثنا مسلم بن إبراهيم أخبرنا شعبة حدثنا عباس الجريري هو بن فروخ عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال (أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى ونوم على وتر).
وفي الصحيحة (1114) حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سيف سمعت مجاهدا يقول (أتى بن عمر رضى الله تعالى عنهما في منزله فقيل له هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل الكعبة قال فأقبلت فأجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج وأجد بلالا عند الباب قائما فقلت يا بلال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة قال نعم قلت فأين قال بين هاتين الاسطوانتين ثم خرج فصلى ركعتين في وجه الكعبة قال أبو عبد الله قال أبو هريرة رضى الله تعالى عنه أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم بركعتي الضحى وقال عتبان غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضى الله تعالى عنه بعد ما امتد النهار وصففنا وراءه فركع ركعتين).
وقد جاء في صحيح مسلم ‏(‏719‏)‏ حدثنا شيبان بن فروخ‏.‏ حدثنا عبدالوارث‏.‏ حدثنا يزيد ‏(‏يعني الرشك‏)‏ حدثتني معاذة؛ أنها سألت عائشة رضي الله عنها‏:‏ (كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى‏؟‏ قالت‏:‏ أربع ركعات‏.‏ ويزيد ما شاء‏).‏ وعليه فإن صلاة الضحى سنة وليست بواجبه، ومن تركها فلا إثم عليه مطلقاً سواء تركها دائماً أو تركها في بعض الأيام أو داوم عليها مدة تم تركها كل ذلك سواء وليس هناك.
وجاء في صحيح مسلم ‏(‏720‏)‏ حدثنا عبدالله بن محمد بن أسماء الضبعي‏.‏ حدثنا مهدي ‏(‏وهو ابن ميمون‏)‏ حدثنا واصل مولى أبي عيينة عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود الدؤلي، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال ‏(‏يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة‏.‏ فكل تسبيحة صدقة‏.‏ وكل تحميدة صدقة‏.‏ وكل تهليلة صدقة‏.‏ وكل تكبيرة صدقة‏.‏ وأمر بالمعروف صدقة‏.‏ ونهي عن المنكر صدقة‏.‏ ويجزئ، من ذلك، ركعتان يركعهما من الضحى‏).
نصائح لعدم تفويت صلاة الفجر
وأما الجانب العملي في علاج هذه الشكاية، هناك عدة خطوات يمكن اتباعها ليزداد إعتيادً ومواظبة المسلم على صلاة الفجر مع الجماعة، فمن ذلك:
1. التبكير في النوم: ففي الحديث الصحيح أن (النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها)، فلا ينبغي للمسلم أن ينام قبل صلاة العشاء والمُشاهد أن غالب الذين ينامون قبل العشاء يمضون بقية ليلتهم في خمول وكدر وحال تشبه المرضى، ولا ينبغي كذلك أن يتحدث بعد صلاة العشاء، (وقد بين أهل العلم سبب كراهية الحديث بعدها فقالوا: لأنه يؤدي إلى السهر، ويُخاف من غلبة النوم عن قيام الليل، أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو المختار أو الفاضل)، والمكروه من الحديث بعد صلاة العشاء كما قال الشراح: (هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة راجحة فيها، أما ما كان فيه مصلحة وخير فلا يكره، كمدارسة العلم، ومعرفة سير الصالحين وحكايتهم، ومحادثة الضيف، ومؤانسة الزوجة والأولاد وملاطفتهم، ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم وأنفسهم، إلى آخر ذلك من الأسباب المباحة). فما الحال إذا تفكرنا فيما يسهر من أجله كثير من الناس اليوم من المعاصي والآثام إذن فعلى المسلم أن ينام مبكراً، ليستيقظ نشيطاً لصلاة الفجر، وأن يحذر السهر الذي يكون سبباً في تثاقله عن صلاة الفجر مع الجماعة. حقاً إن (الناس يتفاوتون في الحاجة إلى النوم، وفي المقدار الذي يكفيهم منه)، فلا يمكن تحديد ساعات معينة يُفرض على الناس أن يناموا فيها، لكن على كل واحد أن يلتزم بالوقت الكافي لنوم يستيقظ بعده لصلاة الفجر نشيطاً، فلو علم بالتجربة والعادة أنه لو نام بعد الحادية عشر ليلاً مثلاً لم يستيقظ للصلاة، فإنه لا يجوز له شرعاً أن ينام بعد هذه الساعة.. وهكذا.
2. الحرص على الطهارة وقراءة الأذكار التي قبل النوم، فإنها تعين على القيام لصلاة الفجر.
3. صدق النية والعزيمة عند النوم على القيام لصلاة الفجر، أما الذي ينام وهو يتمنى ألا تدق الساعة المنبهة، ويرجو ألا يأتي أحد لإيقاظه، فإنه لن يستطيع بهذه النية الفاسدة أن يصلي الفجر، ولن يفلح في الاستيقاظ لصلاة الفجر وهو على هذه الحال من فساد القلب وسوء الطوية.
4. ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ مباشرة، فإن بعض الناس قد يستيقظ في أول الأمر، ثم يعاود النوم مرة أخرى، أما إذا بادر بذكر الله أول استيقاظه انحلت عقدة من عُقد الشيطان، وصار ذلك دافعاً له للقيام، فإذا توضأ اكتملت العزيمة وتباعد الشيطان، فإذا صلّى أخزى شيطانه وثقل ميزانه وأصبح طيب النفس نشيطاً.
5. لا بد من الاستعانة على القيام للصلاة بالأهل والصالحين، والتواصي في ذلك، وهذا داخل بلا ريب في قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) وفي قوله (والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)، فعلى المسلم: أن يوصي زوجته مثلاً بأن توقظه لصلاة الفجر، وأن تشدد عليه في ذلك، مهما كان متعباً أو مُرهقاً، وعلى الأولاد أن يستعينوا بأبيهم مثلاً في الاستيقاظ، فينبههم من نومهم للصلاة في وقتها، ولا يقولن أب إن عندهم اختبارات، وهم متعبون، فلأدعهم في نومهم، إنهم مساكين، لا يصح أن يقول ذلك ولا أن يعتبره من رحمة الأب وشفقته، فإن الرحمة بهم والحدَبَ عليهم هو في إيقاظهم لطاعة الله: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليهم). وكما يكون التواصي والتعاون على صلاة الفجر بين الأهل، كذلك يجب أن يكون بين الإخوان في الله، فيعين بعضهم بعضاً، مثل طلبة الجامعات الذين يعيشون في سكن متقارب ومثل الجيران في الأحياء، يطرق الجار باب جاره ليوقظه للصلاة، ويعينه على طاعة الله.
6. أن يدعو العبد ربه أن يوفقه للاستيقاظ لأداء صلاة الفجر مع الجماعة؛ فإن الدعاء من أكبر وأعظم أسباب النجاح والتوفيق في كل شيء.
7. استخدام وسائل التنبيه، ومنها الساعة المنبهة، ووضعها في موضع مناسب، فبعض الناس يضعها قريباً من رأسه فإذا دقت أسكتها فوراً وواصل النوم، فمثل هذا يجب عليه أن يضعها في مكان بعيد عنه قليلاً، لكي يشعر بها فيستيقظ. ومن المنبهات ما يكون عن طريق الهاتف، ولا ينبغي للمسلم أن يستكثر ما يدفعه مقابل هذا التنبيه، فإن هذه نفقة في سبيل الله، وأن الاستيقاظ لإجابة أمر الله لا تعدله أموال الدنيا.
8. نضح الماء في وجه النائم، (كما جاء في الحديث من مدح الرجل الذي يقوم من الليل ليصلي، ويوقظ زوجته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ومدح المرأة التي تقوم من الليل وتوقظ زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء) رواه الإمام أحمد في المسند 2/250 وهو في صحيح الجامع 3494. فنضح الماء من الوسائل الشرعية للإيقاظ، وهو في الواقع منشط، وبعض الناس قد يثور ويغضب عندما يوقظ بهذه الطريقة، وربما يشتم ويسب ويتهدد ويتوعد، ولهذا فلا بد أن يكون الموقظ متحلياً بالحكمة والصبر، وأن يتذكر أن القلم مرفوع عن النائم، فليتحمل منه الإساءة، ولا يكن ذلك سبباً في توانيه عن إيقاظ النائمين للصلاة. (على أن يكون ذلك بالاتفاق بين الزوجين).
9. عدم الانفراد في النوم، (فلقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت الرجل وحده) رواه الإمام أحمد في المسند 2/91 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 60. ولعل من حِكم هذا النهي أنه قد يغلبه النوم فلا يكون عنده من يوقظه للصلاة.
10. عدم النوم في الأماكن البعيدة التي لا يخطر على بال الناس أن فلاناً نائماً فيها، كمن ينام في سطح المنزل دون أن يخبر أهله أنه هناك، وكمن ينام في غرفة نائية في المنزل أو الإسكان الجماعي فلا يعلم به أحد ليوقظه للصلاة، بل يظن أهله وأصحابه أنه في المسجد، وهو في الحقيقة يغّط في نومه. فعلى من احتاج للنوم في مكان بعيد أن يخبر من حوله بمكانه ليوقظوه.
11. الهمة عند الاستيقاظ، بحيث يهب من أول مرة، ولا يجعل القيام على مراحل، كما يفعل بعض الناس الذين قد يتردد الموقظ على أحدهم مرات عديدة، وهو في كل مرة يقوم فإذا ذهب صاحبه عاد إلى الفراش، وهذا الاستيقاظ المرحلي فاشل في الغالب، فلا مناص من القفزة التي تحجب عن معاودة النوم.
12. ألا يضبط المنبه على وقت متقدم عن وقت الصلاة كثيراً، إذا علم من نفسه أنه إذا قام في هذا الوقت قال لنفسه: لا يزال معي وقت طويل، فلأرقد قليلاً، وكل أعلم بسياسة نفسه.
13. إيقاد السراج عند الاستيقاظ، وفي عصرنا الحاضر إضاءة المصابيح الكهربائية، فإن لها تأثيراً في طرد النعاس بنورها.
14. عدم إطالة السهر ولو في قيام الليل، فإن بعض الناس قد يطيل قيام الليل، ثم ينام قبيل الفجر بلحظات، فيعسر عليه الاستيقاظ لصلاة الفجر، وهذا يحدث كثيراً في رمضان، حيث يتسحرون وينامون قُبيل الفجر بقليل، فيضيعون صلاة الفجر، ولا ريب أن ذلك خطأ كبير ؛ فإن صلاة الفريضة مقدمة على النافلة، فضلاً عمن يسهر الليل في غير القيام من المعاصي والآثام، أو المباحات على أحسن الأحوال، وقد يزين الشيطان لبعض الدعاة السهر لمناقشة أمورهم ثم ينامون قبل الفجر فيكون ما أضاعوا من الأجر أكثر بكثير مما حصلوا.
15. عدم إكثار الأكل قبل النوم فإن الأكل الكثير من أسباب النوم الثقيل، ومن أكل كثيراً، تعب كثيراً، ونام كثيراً، فخسر كثيراً، فليحرص الإنسان على التخفيف من العشاء.
16. الحذر من الخطأ في تطبيق سنة الاضطجاع بعد راتبة الفجر، فربما سمع بعض الناس قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صلّى أحدكم فليضجع على يمينه) رواه الترمذي رقم 420 وهو في صحيح الجامع 642. وما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلّى سنة الفجر يضطجع، ثم يُؤذنه بلال للصلاة، فيقوم للصلاة، وربما سمعوا هذه الأحاديث، فعمدوا إلى تطبيق هذه السنة الثابتة، فلا يحسنون التطبيق، بحيث يصلي أحدهم سنة الفجر، ثم يضطجع على جنبه الأيمن، ويغط في سبات عميق حتى تطلع الشمس، وهذا من قلة الفقه في هذه النصوص، فليست هذه الاضطجاعة للنوم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بلال للصلاة وهو مضطجع، وكان أيضاً كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وابن حبان إذا عرس (أقبل) الصبح وضع رأسه على كفه اليمنى، وأقام ساعده. رواه أحمد في المسند 5/298 وهو في صحيح الجامع رقم 4752، وهذه الكيفية في النوم تمنع من الاستغراق؛ لأن رأس النائم في هذه الحالة يكون مرفوعاً على كفه وساعده، فإذا غفا سقط رأسه، فاستيقظ، زد على ذلك أن بلالاً كان موكلاً بإيقاظه صلى الله عليه وسلم لصلاة الفجر.
17. جعل قيام الليل في آخره قبيل الفجر، بحيث إذا فرغ من الوتر أذن للفجر، فتكون العبادات متصلة، وتكون صلاة الليل قد وقعت في الثلث الأخير - وهو زمان فاضل – فيمضي لصلاة الفجر مباشرة وهو مبكر ونشيط.
18. اتباع الهدي النبوي في كيفية الاضطجاع عند النوم، بحيث ينام على جنبه الأيمن، ويضع خده الأيمن على كفه اليمنى، فإن هذه الطريقة تيسر الاستيقاظ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم بخلاف النوم بكيفيات أخرى، فإنها تؤثر في صعوبة القيام.
19. أن يستعين بالقيلولة في النهار، فإنها تعينه، وتجعل نومه في الليل معتدلاً ومتوازناً.
20. ألا ينام بعد العصر، ولا بعد المغرب، لأن هاتين النومتين تسببان التأخر في النوم، من تأخر نومه تعسر استيقاظه.
21. وأخيراً فإن الإخلاص لله تعالى هو خير دافع للإنسان للاستيقاظ للصلاة، وهو أمير الأسباب والوسائل المعينة كلها، فإذا وجد الإخلاص الذي يلهب القلب ويوقظ الوجدان، فهو كفيل بإذن بإيقاظ صاحبه لصلاة الصبح مع الجماعة، ولو نام قبل الفجر بدقائق معدوادات. ولقد حمل الإخلاص والصدق بعض الحريصين على الطاعة على استعمال وسائل عجيبة تعينهم على الاستيقاظ تدل على اجتهادهم وحرصهم وتفانيهم،وذلك يخضع لاجتهاد كل إنسان بما يناسبه من وسائل معينة على صلاة الفجر. والحقيقة المرة هي أن ضعف الإيمان، وقلة الإخلاص تكاد تكون ظاهرة متفشية في الناس اليوم، والشاهد على ذلك ما نراه من قلة المصلين ونقص الصفوف في صلاة الفجر، بالرغم من كثرة الساكنين حول المسجد في كثير من الأحياء، على أننا لا ننكر أن هناك أفراداً يكون ثقل النوم عندهم أمراً مرضياً قد يُعذرون به، لأنه أمر خارج عن الإرادة فمثل هذا عليه أن يلجأ إلى الله بالتضرع، ويستفيد ما استطاع من الوسائل الممكنة، وأن يراجع الطبيب لمحاولة إيجاد علاج.

أخي الكريم: أين أنت من هؤلاء؟.
• عن برد مولى سعيد بن المسيب قال: (ما نودي بالصلاة منذ أربعين سنة إلا وسعيد في المسجد).
• وقال وكيع بن الجراح عن الأعمش سليمان بن مهران: (كان الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى).
• وقال محمد بن المبارك الصوري: (كان سعيد بن عبد العزيز التنوخي إذا فاتته صلاة الجماعة بكى).
• وروي عن محمد بن خفيف أنه كان به وجع الخاصرة فكان إذا أصابه أقعده عن الحركة فكان إذا نودي بالصلاة يُحمل على ظهر رجل، فقيل له: لو خففت على نفسك؟ قال: (إذا سمعتم حي على الصلاة ولم تروني في الصف فأطلبوني في المقبرة).
• وسمع عامر بن عبد الله بن الزبير المؤذن وهو يجود بنفسه فقال: (خذوا بيدي)، فقيل إنك عليل، قال: (أسمع داعي الله فلا أجيبه؟!) فأخذوا بيده فدخل مع الإمام في المغرب فركع ركعة ثم مات.

أخي الكريم..إن من تأمل حال الناس اليوم ليحزن من تهافتهم وراء الدنيا، وزهدهم في مرضاة الله وجنته.. فتجد المنادي ينادي (الصلاة خير من النوم) فلا تسمع إلا الهدوء والسكون، ولا تكاد ترى أحداً.. ولكن بعد ساعات قلائل، حين تأتي مشاغل الدنيا ويحين وقت العمل ينقلب الهدوء إلى ضجة لا تنقطع، والسكون إلى حركة لا تنتهي، فسبحان الله! وصدق سبحانه حين قال: (بَل تُؤثِرونَ الحَيَاةَ الدُّنيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيرٌ وَأَبقَى) (الأعلى:17،16).
أخي الكريم.. ها قد بانت لك الأمور، وقامت عليك الحجة.. وعلمت أن المحافظة على هذه الشعيرة العظيمة سبيل لرفعة الدرجات وتكفير السيئات، والتفريط فيها من أسباب التردي والانزلاق في الدركات..
وهي ولا شك تحتاج إلى جهد ومجاهدة.. فاحذر أن تغلبك نفسك، ويقوى عليك شيطانك.. فقد حُفت الجنة بالمكاره وحُفت النار بالشهوات.. وحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وتنبه قبل أن تأتي ساعة تندم فيها ولآت ساعة مندم.. وتفقد أهل بيتك وأرحامك، وجيرانك وأحبابك؛ فقد كان قدوتك صلى الله عليه وسلم يمر بباب ابنته فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول: (الصلاة يا أهل البيت (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب:33)) (رواه مسلم).
وتذكر أن الراحة الحقة حين تضع قدميك في دار الكرامة وتنجو من دار العقاب والمهانة، وليست في إيثار نومة زائلة أو لذة عابرة.. نسأل الله تعالى أن يوفقنا لمرضاته، وأن يكتب لنا الحسنى وزيادة.